Archive | August 2019

انا فيجان ومش فيجان

نظرت لى صديقتي المصرية على الأراضي الأمريكية بعينيها الجميلتين وهى تقول بمنتهى الصدق
” انا وجوزي مش بس خسرنا الوزن الزائد من يوم ما حولنا نظام اكلنا ل فيجان احنا كمان صحتنا اتحسنت جدا في كل شيء بدنيا ونفسيا.. ولو مكناش حسينا بالآثار الايجابية دى كلها مكناش كملنا”..

وفي حوار آخر مع نفس الصديقة أكدت لى رغم أنها كانت تحب اللحوم إلا إنها مع الوقت وبعد تغير نظام غذائها أصبحت تشعر بالغثيان إذا شمت رائحة اللحوم قريبة منها…
وتعجبت مما قالت..

لم تمض أيام قلائل بعد هذه الكلمات حتى وصلتني دعوة على جروب للفيجان على صفحات العالم الأزرق من صديقة مصرية في مصر لا تعرف صديقتي الأولى ولا علاقة لها بها.. ودار حوار بيننا على الفيس عن هذا النظام الغذائي الذي يتوقف صاحبه عن اكل جميع أنواع اللحوم تماما وكل مشتقات الأكل الحيوانية من ألبان ودهون ولم تختلف كلمات صديقتى الثانية كثيرا عن الأولى والتى أكدت فيها ان مشاكلها الصحية في تلاشي منذ ان بدأت في هذا النظام..

وعلمت ان الأمر ينتشر…

وقد كان غريبا وصوله لى بطرق مختلفة من أشخاص مختلفة في فترة وجيزة جدا و بنفس الملاحظات الايجابية عنه وهذا ما جعلني أفكر في الأمر واحلله..

انتشر هذا النظام الغذائي في الولايات المتحدة الأمريكية ايضا في الفترة الأخيرة وقد طال بعض صديقاتى الأمريكيات المقربات.. وكانت اسبابهم مختلفة قليلا عن صديقاتي المصريات..

فنسبة الأمريكيين ممن حولوا نظام غذاءهم لفيجان او فيجيتيريان (منع اللحوم بجميع أنواعها دون الألبان و المنتجات الحيوانية الأخرى) حوالى 10% من السكان وهذه النسبة في تزايد.. ومن الأسباب الأساسية التى تجعلهم يتحولوا لهذا النظام هى الاعتراض على طريقة تعامل البشر مع الحيوانات في المزارع ولأن أغلب المزارع تتعامل معهم بعنف ومن دون اى رحمة او اهتمام.. وتعاطفا مع ما تقاسيه هذه الحيوانات واعتراضا على اسلوب التجار معاهم يمتنعون عن أكل الحيوانات بجميع أنواعها وأشكالها..

وفى أثناء تحليلي الفكري في الأمر قرأت بوست لأحدهم يهاجم من يمتنع عن أكل اللحوم ومنتجاتها من الفيجان بشدة و يتهمهم انهم يعترضون على بعض الفروض والسنن المؤكدة في الدين الإسلامي فيما يخص الأضحية والعقيقة وغيرها.. وأكد ببعض الآيات والأحاديث ان اكل اللحوم و توزيعها شيء أساسي في الإسلام وان من يمتنع عنها هو شخص مذنب وهو مجرد مقلد لباسم يوسف..
ولن تخفى عليك الشدة التى صيغت بها كلمات البوست ان قرأته..

حاولت أن أضع نفسي مكان كلا الطرفين وان احلل الأمر بطريقة اكثر عمقا..

ايهما على حق؟
من يأكل ويمرض؟
ام من يمتنع ويقل مرضه؟
ولما هذا يمرض ولما ذلك يقل مرضه؟
هل الأمر نفسي ام عضوي؟
وهل هو حرام ام حلال؟

وهذا ما توصلت إليه…

انا لا ادافع عن أمر بعينه بل اناقش الموضوع كاملا بمنتهى الموضوعية التى امتلكها لعلنا نراه أكثر وضوحا..

نعلم جميعا ان العقل في كثير من الأحيان يكون وسيلة لتبرير ما يميل إليه القلب.. تميل للشيء فيجد لك عقلك مبررات كثيرة لتفعله.. ونعلم اننا كثيرا ما نحب ما اعتدنا عليه.. ليس لفوائده ولكن لأننا اعتدنا أن نفعله بشكل معين أو طريقة معينة.. فإن غيرنا تلك الطريقة فقدنا ما اعتدنا عليه ولذلك كثيرا ما تنفر نفوسنا من اى تغير قد يخرجنا من منطقة الراحة وتجد لنا عقولنا ما يبرر هذا النفور سريعا فنعود للراحة سالمين..

وما هذه المقدمة النفسية سوى تحليل لما توصلت إليه في أمر انتشار الفيجان والفيجيتيريان..

هى دائرة من الأسباب والنتائج تؤدي إلى بعضها..

نعم فهو واقع مؤكد أن لحوم الحيوانات في العصر الحديث تؤدي إلى حدوث أمراض كثيرة عضوية و نفسية نتيجة لما يفعله البشر بها من معاملة سيئة وهرمونات وأدوية وكيماويات كثيرة لتربية أكبر قدر منها في أقصر فترة ممكنة للكسب المادى ولسد حاجة الاستهلاك العالي الذي نعيش عليه نحن حياتنا كل يوم وليلة ..

فكر لدقيقة كم مرة تأكل من اللحوم والمنتجات الحيوانية في المتوسط يوميا؟

قد تقول “انا مليش في اللحوم اوى ومش باكل منها كتير وماشي على مبدأ خير الأمور الوسط”..

ولكن صدقني الواقع مختلف.. لأن هذا ما كنت اقوله عن نفسي وفاجأني التفكير الموضوعي..

ولك وجبات يوم تخيلي … فطرت فيه ساندويتش من الجبنة وشربت معه شاي باللبن.. ووجبة الغذاء كانت صينية بطاطس بالفراخ.. أما العشاء فكان بيض بالبسطرمة..
صحيح انك لم تكمل ربع فرخة في وجبة الغذاء ، ولكن الواقع أن وجباتك الثلاثة أغلبها منتجات حيوانية (جبن ، لبن ، سمن، فراخ، بيض، بسطرمة).. وهكذا حياتنا كلها.. فإن أردت أن تحلى بشيء من الجاتوه او الآيس كريم في ذلك اليوم ستكمل الدائرة التى لم تتخيلها بهذا الشكل قبل الآن..

نستهلك من المنتجات الحيوانية قدر يصعب تصديقه وهذا الاستهلاك هو أسلوب حياة كامل بكل صوره تربينا عليه منذ نعومة اظافرنا…

فلا كرم ضيافة دون خمس او ستة أنواع وأصناف من اللحوم على المائدة بكل صورها الممكنة المقلي والمشوي والمفروم و غيره وإلا لا تحسب كريم .. ولا طبخ تقليدي بسيط دون لحوم.. فكيف ان أصنع حلة بامية او ملوخية دون لحوم مثلا؟ و كيف لى ان آكل البيتزا التى هى من الجبن الحيواني دون نوع من اللحوم ليزيد مذاقها جمالا وتزيدها اللحوم أناقة؟

وانا أعلم انك تتذكر تلك الكلمات من والدتك عندما تسمعها من أحد الأمهات حولك تقولها لصغيرها وهى تطعمه “خلاص يا حبيبي لو شبعت سيب الطبق بس خلص حتة اللحمة اللى فيه”..

وبهذا أصبحت اللحوم و المنتجات الحيوانية كلها جزء أساسي من حياتنا منذ البداية و تتشبث به مشاعرنا بشدة ودون أن ندري..

اثبتت بعض الأبحاث علميا ان تعاملنا السيء مع الحيوانات يصيبها بأمراض نفسية كالاكتئاب وغيره وقد تنتقل تلك الأمراض لنا بشكل ما عند تناول اللحوم.. هذا بجانب الهرمونات والانزيمات الكثيرة التى نعلم جميعا أنها اساسية لزيادة حجم اللحوم وكمية الألبان في الحيوانات والتى تنتقل لاجسامنا بأضرارها من خلال اللحوم ومنتجاتها أيضا.. هذا بجانب اللا إنسانية والتى يتم سحب اغلب الألبان بها من الحيوانات بأجهزة الكترونية وشفاطات قوية و التى تؤدى إلى ان تدمي الحيوانات فيختلط الدم باللبن وتقوم شركات الألبان بتصفيته قدر الامكان قبل ان تصنع منه الجبن والسمن والزبدة ثم يتم تعبئه لك في علبة شيك لتشربه.. ولعلك لن تحتاج أكثر من يوم تعمل فيه في إحدى هذه الشركات لترى التفاصيل بنفسك.. هذا بالإضافة إلى ان الذبح في البلاد الغربية وللأسف في كثير من البلاد الإسلامية وخصوصا في المجازر الكبيرة لا يتم بشروط الشريعة الإسلامية التى حافظت على التفاصيل الدقيقة للصحة البدنية والنفسية للحيوان قبل وأثناء الذبح..
هل سنحاسب على ما يحدث لتلك الحيوانات بسبب استهلاكنا المبالغ فيه؟ هل سنحاسب على الأضرار التى قد تصيب أجسادنا نتيجة لهذا الاستهلاك الذي أصبح جزء لا يتجزأ من حياتنا؟

اسمع ما تقول في خاطرك..

يعنى هو الحل انى ابقى فيجان؟
طب و لو اللحوم غلط و ممكن تضر ربنا حللها ليه؟
طب ليه فيه أجزاء في الدين مرتبطة باللحوم وأكلها وذبحها؟

وهنا سنناقش الجزء الديني من الموضوع..

لم يحرم الله اللحوم بل إنها جزء مهم في كثير من الشعائر الإسلامية كما في الأضحية والعقيقة والهدي في الحج وغيره… وقال تعالى “وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ”.. تعظيم الشعائر واحترامها وأداءها كما كان يؤديها سيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم من تقوى القلوب..
وتعددت آيات القرآن التى تصرح بأكل اللحوم كما قال تعالى “وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ”..
ونعم ، كان يأكل سيدنا و حبيبنا محمد صل الله عليه وسلم اللحم وكانت له أجزاء مفضلة منه ككتف الشاة وظهرها مثلا..
ولكن دعنا نرى عن قرب تعامل سيدنا رسول الله و صحابته الكرام مع أكل اللحوم التى حللها الله لتعلم اننا ابعد ما يكون عن هديهم…

كما في الصحيح كانت تمر الشهور دون أن يوقد نار في بيت سيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم.. وهذا يعنى انه لشهور لا يأكل لحوم و لا حتى طبخ دون لحوم.. وكان يعيش عليه الصلاة والسلام على الاسودان ، الماء والتمر.. وقد يأكل الشعير او الخل بالزيت.. وغيرها من ابسط المأكولات النباتية لشهور..
فقد كان الصحابه الكرام يتهادون اللحوم ويجتمعون عليها كل فترات طويلة.. هذا وكانت اللحوم صحية وعضوية وكانت تتعامل الحيوانات برحمة وإنسانية..

فهل تستطيع انت أن تمنع اللحوم ومنتجات اللحوم عن منزلك لشهر واحد فقط لتجرب ان تعيش كما كانوا؟

جميعنا يعرف الإجابة الآن ، اعتراضنا على الفيجان و الفيجيتيريان مصدره نفسي وليس ديني…

أصبحت المنتجات الحيوانية محور أساسي في حياتنا بالقدر الذي يجعل اى تغير و لو بسيط في هذا النظام الغذائي أمر صعب للغاية وهو كلية خارج منطقة الراحة النفسية او ال (comfort zone).. فترفضه عقولنا وتجد للرفض كل المبررات الكافية ..
يعنى هو ينفع نعيش من غير شوكولاته وآيس كريم مثلا 😄

في رأي المتواضع وفي اغلب الظن أن من يأخذ قرار ان يكون نباتي وخصوصا في بلادنا العربية هو انسان مائل للعقلانية ، قوي الارادة ومن لا يستطيع هو انسان عاطفي تتحكم مشاعره في اغلب قراراته…
و الله ورسوله أعلم.

وما الحل في هذا الأمر إذن؟؟

وضع الله لنا القاعدة الأساسية فى كل ما نأكل “وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ” وما تربينا عليه من العادات الغذائية الحيوانية هو إسراف ، عافانا الله واياكم..

بالعقل أجد ان الحل الأمثل هو التفكير في تكوين وأهداف حياتنا الغذائية وان نحاول ان نخرج من دائرة سيطرة الغذاء الحيوانى على اسرنا ومجتماعتنا و قلوبنا وان لم يتم هذا إلا بالصوم عن اللحوم (فيجان) لفترة ما ، ستزيد او تقل بقدر ارتباط قلوبنا بها فليكن ، حتى نتخلص من تلك السيطرة ولا تصبح اللحوم اساسية ومهمة ومميزة كما كانت.. بل تصبح اللحوم اكل ما كغيرها ، أكل لن آكله قبل أن اتأكد انه يصلح للأكل وانى لن احاسب على أذى كان للحيوان بسببي وانه لن يضر جسدي بهرموناته و كيمياوياته.. فكما قال سيدي و حبيبي رسول الله صل الله عليه وسلم “لا ضرر و لا ضرار”..
وإن استطعنا التحكم في الكم (ليصبح قليل) و الكيف (ليصبح عضوى) في حياتنا دون الانقطاع التام عن أكل اللحوم… فليكن..

ان نجحنا جميعا في فعل هذا سيقل استهلاك اللحوم ويقل سوء التعامل مع الحيوانات لسد الاستهلاك بل وستنتشر المزارع العضوية الصحية لتربية الحيوانات من جديد وسنعود كما كانوا في عهد سيدي وحبيبي رسول الله صل الله عليه وعلى آله واصحابه وسلم نأكل من اللحوم دون إسراف فنأخذ من فوائدها ونتلاشى اضرارها..

اعلم انه حل صعب فبرغم اقتناعي التام به لم أمتلك الشجاعة لتنفيذه.. فحتى فكرة ان اطبخ دون اى من منتجات الحوم على الإطلاق لى ولاسرتي اسبوع واحد كامل أراها صعبة التنفيذ وتحتاج من الإرادة والإبتكار ما لم امتلكه بعد وإن امتلكته لن يمتلكه كل أفراد الأسرة ليكون..

ولكنى الآن وبعد أن أخرجت ما بداخلي في كلمات اراى المشكلة وأرى حلها وادعو الله ان يرشدني الصواب ويرزقني المقدرة على تنفيذه.. وان يرزقني تقدير الآخر واحترام اختياراته وظروفه ورؤيته للأمور وإن لم يتفق معى او إن اختلف عنى كل الاختلاف..

بوركتم وبورك مأكلكم ومشربكم 💚

رانيا زيت حار